تحية الأمل والفكر والإرادة مملكة اطلانتس الجديدة “ارض الحكمة” الشيفرة الكونية(,البيان في الأكوان ,)
بقلم : رماز الأعرج
الاحتمالية والوجود
بداية لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم الاحتمالية الذي سنستخدمه في هذا السياق هو مفهوماً فلسفياً بامتياز و هو ليس ذلك المفهوم الرياضي بل هذا الأخير مشتقاً منه حيث أن أصل هذا القانون فلسفي و ليس رياضي.
لقد عدنا إلى هذا القانون في الرياضيات لعلنا نتمكن من اغتنائه في الفلسفة و لكننا حين بحثنا عنه هناك وجدنا أن أصوله الفلسفية هي الرياضيات الاحتمالية و أن جزء كبير من هذه الرياضيات قد أخذ صيغة فلسفية بحكم صلتها بهذا القانون (الاحتمالية).
و لهذا سوف لن ندخل في تفاصيل حول هذا القانون في الرياضيات و نترك ذلك لحرية للقارئ في الرجوع
إلى( نظرية الاحتمالات في الرياضيات المعاصرة) و سيجد الكثير من المواد التي ستعني وعيه.
أما نحن فما يهمنا هو الجانب الفلسفي في هذا القانون و جذوره الفلسفية كما أشرنا فهو من حيث الأصول قانون فلسفي بامتياز تماما كقانون التوازن و لا نعلم السبب بالتحديد الذي جعله خارج قوانين الفلسفة كل هذا الزمن.
أن قانون الاحتمالية يحمل صفات القوانين الكاملة و لا ينقصه شيء لكي يكون خارج هذه القوانين , و بدون هذا القانون سوف تبقى الكثير من المفاهيم الفلسفية ناقصة و مجزئة .
أشرنا سابقاً إلى ترابط هذه القوانين و تأثيرها بعضها على بعض حيث هناك روابط جوهرية فيما بينها و سنرى
الآن كيف أن الضرورة و الصدفة مجزئه و جامدة بدون فهم هذا القانون حيث سيغيب عن العقل جزء من الواقع يبقى مفقوداً و غير مشمول أصلا في سياق القوانين الأخرى و لا توجد أي إشارة إليه من قريب أو بعيد فالصدفة صدفة محضة و الضرورة ضرورة محضة و الصدفة كذلك هي صدفة و تذكر بالجمع دوماً صدف و لا يوجد أي ذكر للاحتمالات التي تؤثر على كلا الجانبين الضرورة و الصدفة معا بل و تلعب دوراً حاسماً و فاعلاً في الكثير من الظروف و الأحيان.
و هي هنا ليس عشوائية بل مقنونة و خاضعة لشروط معينة و تفعل فعلها وفق هذه الشروط المتاحة و هي تؤثر في كلا الطرفين أي الضرورة و الصدفة معاً و تشكل حلقة وصل حاسمة فيما بينها.
و لنأخذ مثلاً بسيطاً لعبة النرد.
لو أخذنا (حجر الزهر) المكعب الشكل و أردنا أن نتعامل مع جهاته الستة تعاملاً رقمياً أي أننا معنيين بالنتائج الرقمية المسجلة على أوجهه الستة المتشابهة.
و في حال قمنا برمي حجر الزهر في حوض اللعب أمامنا ستة احتمالات , هذه الاحتمالات هي من 1 إلى 6 و هي موجودة واقعا أصلا و هذا من شروط الاحتمالية أن تكون إمكانياتها متوفرة بالكامل , و تأتي هنا الصدفة التي ستحول هذه الإمكانية إلى حيز الوجود فيتدحرج الحجر المكعب الشكل , و هنا تدخل عدة عوامل من ضمنها قوة الضربة
و زاويتها و اصطدامها ( بطاولة اللعب) و قانون الجاذبية و مقدار تدحرجها الخ , ليقف الحجر على أي وجه تنتهي قوة الحركة الميكانيكية الدافعة عن فعلها, فيستسلم الحجر لقانون الجاذبية و الضغط الجوي فيتوقف عن الحركة.
هنا بالتحديد تأتي الصدفة لتتجلى في الحدث في فعلها حيث أن الصدفة أصبحت هي الحدث ذاته الآن .
دارت الصدفة بين 6 احتمالات و توقفت عند إحداها.
كان هذا التوقف ضروري فقد انتهى فعل الطاقة الدافعة.
و هكذا نرى العلاقة بين الصدفة و الاحتمالية و الضرورة التي تتبادل وجودها و تأثيرها على كلا الطرفين الضرورة
و الصدفة , والاحتمالية تصبح ضرورة حين تدفعها الصدفة إلى وسط الحدث فتتحول هنا إلى ضرورة و تصبح
ذو شرطيات جديدة تفرضها بوجودها و هكذا تصبح الضرورة بالضرورة وجود .
انتقلت الضرورة بعدة أطوار حتى وصلت إلى الوجود ثانية و هذه الأطوار تتلخص على النحو التالي:
حجر الزهر , احتماليات 1-إلى 6 , الصدفة ستقع على خيار ما دون أي تميز حيث يتوقف الحجر عن الحركة حين انتهاء قوة الفعل المحركة و هي مرحلة الصدفة والاحتمال و فعلها.
أن وجودها على إحدى أوجه الحجر شرطاً من شروطها ,و وجودها في الظروف التي هي عليه ضرورة هامة لإمكانية إعادتها إلى الضرورة بعد المرور بالصدفة أي المرحلة التي سيقع فيها الاختيار , و نلاحظ هنا أن الصدفة هي حدث
و لكن هذا الحدث هو أيضا مشروط و ليس حراً , بل مشروطاً الآن في هذه الحالة بستة احتمالات فالصدفة ستقع على واحد من هذه الاحتمالات فقط .
و الصدفة ذاتها هنا أصبحت ضرورة و ذلك من أجل الحصول على النتيجة , و حين الحصول على النتيجة ستعود النتيجة التي كانت ضرورة احتمالية و تحولت إلى ضرورة صدفية , و ثم انتقلت إلى ضرورة وجودية و هذه الأخيرة معرضة و قابلة لأن تكون ضرورة احتمالية أيضا و هكذا تتكرر الحلقة دواليك و تعود من جديد , و الوجود بحد ذاته هو إمكانية و ضرورة و احتمالية أيضا في الوقت نفسه .
أن قانون الاحتمالية و الوجود يساعدنا على فك رموز شيفرة هذا الكون الكبير الشاسع الذي ما زلنا عاجزين عن فهمه إلا مجزأ و من خلال التعميم و التخيل.
و أهمية هذا القانون تشمل جميع ظواهر الواقع و بما فيها القوانين الأساسية و هي خاضعة و مرتبطة بها و تسير وفق شروطها و نظمها , و الاحتمالات تساعدنا على فهم حركة المجتمع بطريقة منطقية و أكثر دقة.
فحين يتم تحليل مرحلة ما من أجل فهم اتجاه حركتها المستقبلية ستساعدنا الاحتمالية على فهم و توقع ما هي الاحتمالات التي قد تقع و بذلك لا يترك الأمر على الصدفة وحدها بل بالإمكان التدخل أحيانا و المساهمة في توفير الظروف و إلغاء احتمالات ما قد تقع و يكون وقوعها سبباً لكوارث كبيرة على البيئة و الحياة.
أن أهمية الاحتمالات أنها تعطينا مزيداً من الدقة في تحديد مسار الأحداث و السيطرة عليها و فهمها و إمكانية توجيهها نحو الحدث الأقل ضرراً أو الأكثر فائدة للمجتمع و الحياة على المدى البعيد.
أن الاحتمالية وجودية و الوجود احتمالي أي أن كلاً منهما يحمل احتمال التحول إلى الأخر و هذه من ميزات الاحتمالية حيث أنها تفعل فعلها في كافة مظاهر الواقع بما فيها قوانينه الموضوعية العامة.
فجميع القوانين تحمل في داخلها احتماليات كثيرة و ضرورات كثيرة و تتحول كلاً منها إلى الأخرى بحكم الصدف الشرطية و تفاعل قوانينها الداخلية.
وفي والواقع و الفلسفة و لغة العلم لا يوجد شيء عشوائي و كل شيء في الكون يخضع لشرطيات معينة لكنها ليست مطلقة بل متداخلة بين النسبي و المطلق مما يتيح الخيارات و التغير رغم كل التعقيد القائم في الواقع .