المسرح أبو الفنون .. مبادرةُ “إحياء المسرح المدرسي” .. ثورةُ 2023 للتعلم وصقل المواهب

عصام التيجي يكتب:

0

في المسرح وحده تجتمع الأمة ، ويتكون فكر الشباب وذوقه ، وإلى المسرح يفد الأجانب ليتعلموا لغتنا ، لا مكان فيه لقول ضار ، لا تعبير عن أحاسيس جديرة بالتقدير إلا وكان مصحوباُ بالتصفيق ، إنه مدرسة دائمة لتعلم الفضيلة” .. مقولةُ الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير عن المسرح منذُ ما يقربُ من قرنين ونصف من الزمان ولا يزال الكثير منا في عصرنا الحالي لا يستوعب قيمةَ المسرح في حياةِ المجتمع وأطفالِه وشبابِه ، ودورهِ في تعزيزِ القيمِ وبناءِ الهويةِ والشخصيةِ الإنسانية ، لم يكن فولتير فقط من أزاحَ الستار ونَفَضَ الغبار عن أبو الفنون ، لكن تعددت الآراءُ والمقولات عن دورِ المسرحِ في تشكيلِ الوجدانِ وبناءِ الأمة ، جاء بعده الكثير ، بل وسبقه من حَمَلَ راية الدفاع عن المسرح أمثال وليم شكسبير وأفلاطون مرديدين “أعطني مسرحاً وخبزاً أعطيك أمة وشعباً مثقفاً عظيماً” ، رؤيةٌ تؤكدُ قدرةَ المسرح على خلقِ أجيالٍ عظيمةٍ مثقفةٍ تمتلك مفاتيح صنع اتخاذ القرار ، وتكوين الشخصية الإبداعية البناءة .

ربما غاب عنا الآن هذا المشهد في مصر ، بعد فترات من الريادة منذ ثلاثنيات القرن الماضي حتى فترة الستنيات ، التي شهدت أكبرَ نهضةٍ مسرحيةٍ مصريةٍ وعربيةٍ صنعها كبار الكُتاب مثل “توفيق الحكيم ، يوسف إدريس ، نعمان عاشور ، ميخائيل رومان ، نجيب سرور ، وسعد الدين وهبة” وجيل كامل من المسرحيين فنانين كانوا أو مخرجين “نجيب الريحاني ، علي الكسار ، إسماعيل ياسين ، يوسف وهبي ، فاطمة رشدي ، عزيزة أمير ، سميحة أيوب ، وزكي طليمات” رائد المسرح المصري الذي أسس المسرح المدرسي عام 1937 ميلادية ” وغيرهم ممن تشكل لديهم الوعي بأهمية المسرح في نهضة الشعوب واحتياجاتها له مثله مثل الخبز.

فعلى مرِ العصورِ والازمنة احتل المسرحُ مرتبةً مهمةً في حياةِ الشعوب ، بل وفي كلِ الحضارات كان المسرحُ حاضراً “كمرآةٍ تعكسُ ملامحَ المجتمع” ، بصفته شكلاً من أشكال التعبير الثقافي ، رافعاً مستويات الوعي في كثيرٍ من الأمور والموضوعات التي تشغلُ الأمة ، بيد أن المسرح يعدُ ظلاً ملازماً للإنسان ومجسداً للأوضاعِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ والثقافية التي يعيشها.

من هذا المنطلق أخذ المسرحيون على عاتِقهم رسالةَ المسرح في التأثير والتأثر ، حتى أن كثيراً من دولِ العالم المتقدم تُصنف المسرح “جهازاً تربوياً كسائر الأجهزة” ومنها المدارس والمعاهد والجامعات ، واستُخدم المسرح منذُ القدم كأداةٍ تعليميةٍ وتربويةٍ في المدارس ، حيث كان له الأثر الفعال في تنميةِ ثقافةِ النشئ وتطوير مهاراتهم وقدراتهم وإيصالِ القيمِ التربويةِ لهم ومساعدتِهم في فهمِ واستيعابِ مناهجِ التعليم.

لذا كنا في حاجةٍ ماسةٍ إلى عودةِ النشاطٍ المسرحي في المدارس والجامعات من جديد بعد أن غاب عنا كثيراً ، لتكوين شخصية أبنائنا وصقل مهاراتهم وتنمية ملكاتهم وقدراتهم الإبداعية.

ولعل مبادرةُ “إحياء المسرح المدرسي” التي تتبناها الآن وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارة الثقافة وقنوات مدرستنا وبرعاية الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تكون الثورة المنجزة التي ستساهم في اكتشافِ وتنميةِ المواهبِ الموجودة في المدارس المصرية التي عانت خلال السنوات الماضية من غياب المسرح المدرسي وإهمال الدور الكبير الذي يلعبه في صناعةِ المواهب ، فالمسرحُ المدرسي الذي ساهم في فتحِ مجالٍ ومستقبلٍ فني كبير لكثيرٍ من نجوم اليوم ، لاشك أنه يعدُ طاقةً إبداعيةً وقناةً تربويةً مهمة في تكوينِ شخصيةِ الطفل وبنائِها نفسياً واجتماعياً وتنمية موهبته في التقليد والتمثيل وصقلها ، فالهدفُ من العمليةِ التعليمةِ ليس التعليم فقط ، ولكن متعة المتعلمين ، بالإضافة إلى إثارة وتحفيز المتعلم ، وهو ما تحققه مبادرة إحياء المسرح المدرسي التي تحتاجُ إلى جهدٍ كبيرٍ وتمويلٍ أكبر ودعم من كافةِ مؤسساتِ الدولة والشركاء ، لكي تخرج بمردودٍ مماثلٍ يقوي العملية التعليمية ويحبب الطلاب في الدراسة والتعلم واكتشاف مواهبهم بدلاً من تجريفها.

وفي إطارِ مبادرةِ “إحياء المسرح المدرسي” ينطلقُ في السابعٍ والثامنِ من شهرِ يناير 2023 العرض المسرحي الغنائي “تقدر” المقرر إقامته على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية ، من تأليف مدحت العدل وإخراج بتول عرفة وبمشاركةِ عددٍ من النجوم على رأسهم الفنانة الكبيرة يسرا والمطربة اللبنانية كارول سماحة والفنان أكرم حسني بالإضافة إلى الفنان محمد فراج وحنان مطاوع وأسماء أبو اليزيد ومحمد الشرنوبي وفريق بلاك تيما وكورال الشرق ، ليتم عرضه على القنوات الفضائية المصرية عقب الانتهاءِ من عرضِه في الأوبرا ، بعدها تبدأُ الاستعداداتُ والعروضُ والمسابقاتُ الثقافيةُ في المدارس المختلفة مع بدايةِ الترم الثاني من العامِ الدراسي الحالي.

إذن هي ثورةٌ جديدةٌ مع بدايةِ عامٍ ميلادي جديد تنفضُ الغبارَ عن المسرحِ المدرسي لاكتشافِ المواهبِ والمبدعين ، بل عودةٌ حقيقةٌ لتطويرِ نظمِ التعلمِ المعمول بها في مختلفِ دولِ العالم.

مبادرةُ “إحياءِ المسرح المدرسي” دعوةٌ بل نصيحةٌ لكل الآباءِ والأمهاتِ وأولي الأمر “لا تقصروا في حق أبنائكم” ، لا تجعلوهم كالمياه الراكدة “فوقوف الماء في النهر يفسده” ، ابحثوا عن مواهبهم الدفينة ، حركوها كي تسري في اتجاه النهر ، فهى كنوزٌ تحتاجٌ إلى اكتشاف ، مستقبلهم أمانة في رقابكم طالما مَنّ اللهُ عليهم بموهبةِ العطاءِ وحبِ التعلمِ والإبداع.

بقلم / عصام التيجي

اترك رد