المصائب محن يأتى من رحمها المنح

أ.د إبراهيم درويش يكتب:

0

يجب ان نعلم القاعدة الذهبية الاتية أن كل ابتلاء او مصيبة تقع بإراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق، والمصائب كالمكابح او الفرامل التى تصنع فى السيارة لتوقفها عن السير …وذلك عكس الهدف من صنع السيارة التى صنعت للحركة ومع ذلك الفرامل او المكابح فيها فائده ..لانها تستخدم للحفاظ على السيارة من الاصطدام والحوادث التى تدمر السيارة ..

هكذا الابتلاءات والمصائب فى حياة الانسان ..هى فرامل تجعل الانسان يقف مع نفسه .

وايضا المصائب تذكرنا بقدر النعم التى انعم الله بها علينا ولم نعرف أقدارها ولم نؤدى شكرها…

فلا تعرف قدر الصحة الا بالمرض، ولا قدر الغنى الا بالفقر، و لا ندرك اللذة إلا بالألم، ولا الفائدة إلا بالمصيبة، كما لا ندرك الحُلو إلا بالمُرّ، ولا المر إلا بالحلو، ولا يمكن أن نتصوّر سعادة إلا بشقاء، ولا شقاء إلا بسعادة، فكأن السعادة والشقاء وجهان لعملة واحدة ، لا يمكن أن يُتصوّر وجود أحد الوجهين إلا بالآخر. في النهاية

والابتلاءات والمصائب محن تأتى من رحمها المنح …ولنا فى قصة الخضر وموسى عليهما السلام فى سورة الكهف العبرة…فقد كان خرق السفينة مصيبة كبرى للمساكين الذين يعملون عليها مع ان هذا الخرق كان رحمة بهم حتى لايستولى عليها الملك الظالم فكانت المصيبة هى عين النجاه والرحمة بالمساكين ..

وكذلك قتل الغلام كان مصيبة لاهل الغلام مع انه فى الحقيقة كان منحة ورحمة بالغلام فبقتله صغيرا

سيدخل الجنة لانه لم يبلغ الحلم ولو ترك حتى يكبر كان سيكون شخصا فاسدا يضر نفسه ويفسد اهله ..فقتله رحمة به وبأهله بان اصبحوا جميعا من أهل الجنة ..

و بناء الجدار كان منحة لقرية بخيله لم تضيفهم من وجهة نظر سيدنا موسى عليه السلام مع ان بناء الجدار كان هو قمة العقاب على بخلهم لانه ببناء الجدار كان سببا فى حرمانهم من المال والحفاظ عليه لليتامى حتى يكبروا

فقد يكون العطاء قمة العقوبة وانت لاتدرى ..كما كان السلب هو قمة العطاء …

وقد تكون المصيبة والابتلاء بغرض رفع درجاتك اذا كان عملك لايؤهلك للوصول اهذه الدرجة فيبتليك فتصبر فيجتبيك ويرفع قدرك …

وقد يكون الابتلاء او المصيبة يسوقها الله عز وجل لك من اجل ان تعود وتضرع إليه ، او يكون ألابتلاء من أجل التذكرة،والاعتبار ومن اجل الحمد والشكر ومن أجل الرجوع إلى الله. يقول تعالى ﴿ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ ويقول تعالى ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾

ولذلك ليس المهم فى ادارك المصائب ..فالجميع يدركها لكن ألاهم أن تعلم الحكمة منها ..

فمثلا عندما يتفشى الزنا فى مجتمع. نجد أن الله يبتليهم بمصيبة بألإيديز ..لو نظرت للايدز بصورة سطحية تقول عنه مرض عضال ..لكن لو فهمت الحكمة الالهية تجده هو وسيلة اراد الله بها كبح جماح الرزيلة حتى لاتتنشر فى المجتمعات وكلما ذاد نسبة المرض ..دل على زيادة فساد الاخلاق فى هذا المجتمع ..اذا مرض الايديز .. وسيلة او أداه لتحصين المجتماعات من الانحراف والرذيلة .فهى مكابح ونعم باطنة تستحق منا الشكر يقول تعالى ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) ﴾( سورة لقمان)

فحينما يأتي الشيء على خلاف ما ترجو توقف وابحث ودقق وتأمل ولاتحابى نفسك بل اتهمها ،وكن واقعياً، فالله عز وجل غني عن تعذيبنا، قال تعالى:﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾( سورة النساء) وابحث عن الحكمة فى هذه المصيبة ….مهما كانت المصيبةٍ مزعجة ، لكن هى بمثابة مكابح في مركبة، لولا هذه المكابح ما سَلمت لا هي ولا صاحبها .

فالاحساس بالالم فى الجسم هو الذى يدفعك للذهاب للطبيب والتداوى ..فألالم اداة تنبيه لك للعناية بصحتك .. كإرتفاع درجة حرارة الجسم هو العرض وليس المرض كى يدفعنا للبحث عن الاسباب الحقيقة والمرض الذى يجب ان تعالجه

ويُحكى أن ‎أديسون مع انه لم يكن مسلما ولكنه كان عاقلا حكيما

وهو في السبعين أستيقظ من النوم على مشهد أشتعال النار في معمله ، وقف العجوز بهدوء يشاهد ألسنة اللهب مما دفع ولدهُ الذي جاء مُسرعاً لمشاهدة المأساة أن يقول :أقتربت من أبي وأنا خائف مما يمكن أن تفعلهُ تلك المصيبه به ، هذا رجل يشاهد جهد عمره يحترق أمامه .! ويقول الابن أن المُدهش ، انني فوجئت بأبتسامة هادئة قد أفترشت وجه أبي وقال حينها :أيقظ أمك يا بُني لتشاهد هذا المشهد الفريد ، لدينا غداً فُرصة لبداية جديدة خاليه من أخطاء الأمس ..

اذا تقبل المصيبة كانها فرصة وباب إلى الله، ساقه الله عزَّ وجل إليك محبةً فيك.. .

وهناك اوقات قد نصاب بالغفلة وتشغلنا الدنيا وتنقطع صلتنا بالله ..فقد تأتى مصيبة او ابتلاء تكون وسيلة للفت الإنتباه حتى يعيدك الى حضرته وعبادته حتى تتذوق طعم قربه وطاعته

يقول تعالى :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) ( سورة الأنعام) ويقول تعالى ايضا ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) ﴾( سورة الأعراف)..

فيد الله يد رحيمة، يد كريمة، يد معطاءة، يد الله تعمل في الخفاء، ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك….

الخلاصة ..

ان لكل مصيبة حكمه… قد نعلمها او لانعلمها لكن علينا القبول بها فكل منا أعلم بنفسه وبصير بحاله يعرف اين هو من ربه… .

والمصائب سنن كونية ستحدث يقيناً يكفينا مصيبة الموت .التى لن تترك احدا الا زارته ..وعندما تقع المصيبة فالمرء منا أمام أن يجزع جزعاً يذهب العقل والدين وإما أن يصبر محتسباً لإرادة الله فيه راضيا باحثا عن النعم الباطنة التى حملتها له هذه المصيبة ..ويكون لدية يقين وامل فى أن يحمل الغد خبراً سعيداً من رب كريم ..

وَعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: ﴿قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ.﴾فالمصائب مهما كانت شدتها الا انها دائما وابدا مبطنة برحمة الله..

بقلم .. ا.د / إبراهيم درويش أستاذ المحاصيل الحلقية ووكيل كلية الزراعة السابق بجامعة المنوفية

 


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك رد
دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً