
بات الخطاب السياسي لليمين الإسرائيلي المتطرف، ممثلاً في شخصيات مثل وزير المالية بتسلإيل سموتريش، أحد أبرز العوامل المثيرة للجدل في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث يتميز هذا الخطاب بدمج بين القومية العنيفة وتوظيف انتقائي للنصوص الدينية اليهودية، خاصةً من التوراة، لإضفاء شرعية دينية على سياسات التوسع الاستيطاني والعنف الممنهج ضد الفلسطينيين، واستخدام للنصوص التوراتية لتعزيز أيديولوجية اليمين المتطرف الإسرائيلي، والذي بات تأثيره واضحا وبما لايدع مجالا للشك على تصعيد العنف وتهميش فرص السلام.
ويؤمن اليمين المتطرف بأن “أرض إسرائيل التوراتية” (من النهر إلى البحر) ملك حصري لليهود، مُستندًا إلى وعود التوراة لإبراهيم كما ذكرت في سفر التكوين (15:18)، ورفض وجود الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية حيث وصفهم سموتريش في خطاب له عام 2023 بأنهم “كيان غريب يجب محوه”، وذلك في مقابلة تليفزيونية على قناة العشرين الإسرائيلية في مارس 2023، كما استخدم النص التوراتي : “أما مدن هؤلاء الشعوب…
فلا تستبق منهم نسمة ما” (سفر التثنية 20:16)، بما يعني في السياق التوراتي الأمر بإبادة شعوب كنعان لـ”منع الفساد الديني”، فقد قال في تصريح صحفي لموقع واينت في فبراير 2022 : “كما أمرنا الرب بتحريم الكنعانيين، يجب ألا نترك للفلسطينيين جذورًا”.
ويقارن سموتريش الممثل لأفكار اليمين المتطرف الإسرائيلي بين تدمير أريحا التوراتية كما ذكرها سفر يشوع (6:21) : “حَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي ٱلْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ وَٱمْرَأَةٍ…”. وبين عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، كما في خطاب ألقاه بعد عملية “السور الواقي” 2023، ويقدم اليمين المتطرف الصراع السياسي كـ”حرب دينية” بين الخير (اليهود) والشر (الفلسطينيون)، وذلك من وجهة نظرهم المتطرفة، ويستخدمون لغة التأثير العاطفي الديني كلغة لتحريض المستوطنين ضد أصحاب الأرض الأصليين، مثل وصف الاستيطان بـ”تلبية إرادة الرب”.
وبالرغم من الخطاب العدائي لليمين الإسرائيلي المتطرف واستخدام المفردات والآيات الدينية التي تحض على العنف في التوراة إلا أن هناك أصوات أخرى تبدو عقلانية ومعتدلة، ففي مقال بجريدة إيديعوت أحرنوت في عام 2022 كتب زعيم التيار الليتواني الحاخام ” إسرائيل لاو” : “التوراة لا تشرع العنف العشوائي… الحرب مشروطة بالدفاع عن النفس فقط”
وكذلك أشارت الباحثة “تامار روس” في كتابها (توسيع قصر التوراة) إلى أن القراءات الحرفية تُخفي الأبعاد الأخلاقية للتوراة، ويُحذر المؤرخ “إيلان بابيه” في كتاب “التطهير العرقي في فلسطين” من تحويل الدين إلى أداة استعمارية، كما نظمت حركة “رباني من أجل حقوق الإنسان” حملات ضد استغلال النصوص الدينية، مؤكدةً أن اليهودية تدعو لـ”محبة الغريب” كما جاء في سفر اللاويين (19:34).
ووفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في عام 2023، فقد ارتفعت هجمات المستوطنين المدعومين من خطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف بنسبة 40% منذ 2021، مع تبريرها بـ”تنقية الأرض”، وذلك كما في حالة بلدة الشيخ جراح التي دعم سموتريش تهجير العائلات الفلسطينية، مستشهدًا بـ”حق الآباء اليهود” في القدس حسب وثيقة حكومية نُشرت في صحيفة ذا ماركر الإسرائيلية في 2022، وكذلك رفض سموتريش في مقابلة تلفزيونية على القناة 14 الإسرائيلية في يناير 2023 أي حديث عن دولة فلسطينية قائلا أن “التوراة تمنحنا السيادة الكاملة”، وقد أدانت الأمم المتحدة خطاباته في تقرير مجلس الأمن S/2023/512، واصفة إياها بـ”المخالفة للقانون الدولي”.
لقد تحوّل خطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف من مجرد أيديولوجيا سياسية إلى خطر وجودي على مستقبل الصراع في منطقة الشرق الأوسط، عبر تحويله إلى صراع ديني لا حلَّ له، في حين ترفض التيارات اليهودية المعتدلة هذا التوظيف، وتُظهر الوقائع أن الخطاب التحريضي يُغذي دوامة العنف ويقوض أي إمكانية للسلام القائم على العدالة، ويتطلب لمواجهة هذا الخطاب فضحه أكاديميًا ودوليًا، والضغط لتحميل إسرائيل مسؤولية انتهاكات القانون الدولي.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.