
في عالمٍ مشبعٍ بالمعلومات، تُطرَق أبواب عقولنا كل لحظة برسائل، أخبار، منشورات، إشعارات، مقاطع فيديو، وتحليلات لا تنتهي. أصبحت المعلومة سلعةً يومية، لا يُطلب منا السعي وراءها، بل تُلقى إلينا حيثما كنّا، وحينما لم نطلبها. ورغم ما يبدو من وفرة معرفية، إلا أن كثيرًا منّا يعيش حالة من الإرهاق الذهني والتشتّت العاطفي، وكأن عقولنا لم تُصمم لتحمّل هذا السيل الجارف من الضوضاء.
في هذا السياق، يبرز مفهوم “صيام المعلومات” كوسيلة لحماية النفس، وتنقية الذهن، واستعادة السيطرة على ما نُدخله إلى عقولنا يوميًا.
ما هو صيام المعلومات؟
صيام المعلومات هو الامتناع المؤقت والواعي عن استهلاك المعلومات، خاصة السطحية أو السلبية منها، من أجل استعادة التركيز، وتجديد الطاقة العقلية، والتأمل في ما هو فعلاً مهم وقيّم في حياتنا. هو أشبه بإغلاق النوافذ أمام الضوضاء، وإفساح المجال أمام الهدوء، والتفكّر، والوضوح.
لماذا نحن بحاجة إلى صيام المعلومات؟
• لأن عقولنا تتعرض للتخمة: كما أن تناول الطعام الزائد يرهق الجسد، فإن تدفق المعلومات المستمر يرهق الذهن، ويضعف قدرتنا على التركيز.
• لأن المحتوى غالبًا لا يُخاطب عقولنا بل عواطفنا: كثير من الأخبار أو المنشورات مصممة للتلاعب بمشاعرنا، لا لإفادتنا. تغضبنا، تُحزننا، تُقارننا بالآخرين، وتدفعنا للاستهلاك أو للانفعال.
• لأن الوقت والهدوء سلعتان نادرتان: التوقف عن متابعة الأخبار والمحتوى الرقمي يمنحنا وقتًا حقيقيًا للتفكير، والإبداع، وتقدير اللحظة الحاضرة.
المفتاح الذهبي: تطوير “مرشّح عقلي” قوي
ليس المقصود أن نغلق أعيننا عن كل شيء، ولكن أن نُحسن الاختيار، وأن نُدرّب أنفسنا على طرح أسئلة بسيطة قبل أن نستهلك أي محتوى:
1. هل هذا متعلق بحياتي؟
هل لهذا الخبر أو المنشور أي أثر مباشر على واقعي أو قراراتي؟
إذا لم يكن كذلك، فما جدوى استهلاكه؟
2. هل يمكنني فعل شيء حيال هذا؟
بعض الأخبار تضعك أمام مأساة، أو تحليلات سياسية أو اقتصادية ضخمة، لكنها خارجة تمامًا عن سيطرتك.
إن لم يكن بيدك تصرّف أو تغيير، فلا داعي لتحمّل القلق الناتج عنها.
3. هل سيكون لهذا أهمية بعد أسبوع؟ بعد سنة؟
كثير مما نستهلكه اليوم من محتوى يفقد معناه بعد أيام. نسأل أنفسنا: لماذا انشغلنا به أصلًا؟
إذا لم تكن له قيمة مستمرة، فلن يضيف شيئًا سوى التشتت.
4. هل تم تصميم هذا للتلاعب بمشاعري؟
بعض العناوين مكتوبة لجذب الانتباه، وتحفيز الغضب أو الحزن أو المقارنة.
إذا شعرت بأن المحتوى يُحفّزك عاطفيًا دون فائدة فكرية حقيقية، فتجاوزه هو الخيار الأصح.
قاعدة ذهبية: إذا فشل المحتوى في اجتياز هذه الأسئلة، فدعه يمرّ.
خطوات عملية لصيام المعلومات
• احذف التطبيقات الإخبارية من هاتفك أو عطّل إشعاراتها.
• خصص وقتًا محددًا لاستهلاك الأخبار يوميًا، من مصدر واحد موثوق.
• نظّف قائمة متابعتك على وسائل التواصل من الحسابات التي تُثير غضبك أو تقارنك بالآخرين.
• اختر “يوم صيام رقمي” أسبوعيًا، تعيش فيه دون منصات ولا أخبار، وتُمارس فيه التأمل أو القراءة أو المشي.
• دوّن مشاعرك قبل وبعد الصيام المعلوماتي، ستلاحظ تحسّنًا في صفاء ذهنك وهدوءك الداخلي.
ان عقولنا ليست ساحة عامة لكل من شاء أن يُلقي فيها كلماته. ان صيام المعلومات هو إعلان شخصي بأنك المسؤول عن ما يدخل إلى عالمك الداخلي. وأنك لن تسمح لأي محتوى أن يُشتّتك، أو يُفسد مزاجك، أو يسرق وقتك دون إذنك.
ابدأ اليوم بخطوة بسيطة: أغلق إشعارًا، أو احذف تطبيقًا، أو تجاهل خبرًا. كل خطوة في هذا الطريق تُعيد إليك سيادتك، وتُقرّبك من حياة أكثر وعيًا وهدوءًا.
اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.