كُتاب

انعكاسات زيارة ماكرون لمصر على مستقبل الصراع في غزة

القاهرة : محمد جوهر حامد

شهدت الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى مصر الشهر الجاري اهتمامًا إعلاميًا ودبلوماسيًا واسعًا، لاسيما في ظل الأوضاع الإقليمية الملتهبة، خاصة الحرب الدائرة في غزة والتطورات المتعلقة بالدولة الفلسطينية، فلم تكن الزيارة مجرد مناسبة لتعزيز العلاقات الثنائية بين باريس والقاهرة فحسب، بل حملت أبعادًا إقليمية ودولية، فلقد تجاوزت زيارة ماكرون إلى مصر البروتوكولات الرسمية المعتادة

حيث شملت جولة في الأحياء الشعبية بالقاهرة وزيارة لمدينة العريش، مما يعكس رغبة فرنسا في تعزيز التواصل المباشر مع الشعب المصري، وفهم التحديات التي تواجهها مصر عن كثب؛ كما أن اصطحاب الرئيس السيسي للرئيس ماكرون وسط حشود من المصريين يحمل رسالة واضحة حول قوة العلاقات بين البلدين، والدعم الشعبي الذي تحظى به القيادة المصرية.

هذه الزيارة، التي تزامنت مع تصاعد الضغوط الدولية لإيجاد حل دائم للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، تطرح تساؤلات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه فرنسا – كقوة أوروبية رئيسية – في تعزيز التعاون مع مصر، ليس فقط على المستوى الاقتصادي والأمني، بل أيضًا في دفع جهود السلام الإقليمية؛ كما أن اختيار العريش كوجهة ضمن الجولة يُعتبر إشارة دبلوماسية واضحة إلى اهتمام فرنسا بملف غزة والإغاثة الإنسانية، خاصة مع وجود آلاف النازحين الفلسطينيين قرب الحدود المصرية

فجاءت زيارة العريش – المدينة التي تستقبل مساعدات إغاثية دولية متجهة إلى غزة – لتؤكد على دعم فرنسا للمسار المصري في الوساطة بين حماس وإسرائيل، والضغط من أجل فتح معبر رفح بشكل دائم لتسهيل وصول المساعدات، بالإضافة إلى تنسيق الجهود مع مصر لإنقاذ العملية السلمية؛ خاصة بعد تصاعد العنف في الضفة الغربية، ومن المتوقع أن تدفع فرنسا – بالتعاون مع مصر – نحو عقد مؤتمر دولي لإعادة إحياء حل الدولتين، مع احتمال تقديم مبادرات فرنسية- مصرية مشتركة في مجلس الأمن.

أشار ماكرون في الخطاب الصحفي المشترك مع السيسي إلى أن فرنسا “ستدرس الاعتراف بالدولة الفلسطينية في التوقيت المناسب”، وهو تصريح أقل حسمًا من الموقف الأسباني أو الأيرلندي الذي اعترف مؤخرًا بفلسطين؛ مع ذلك، فإن دعم مصر لخطوة كهذه – مع ضمان أمني لإسرائيل – قد يدفع فرنسا لتأييد الاعتراف تدريجيًا، خاصة إذا تبنى الاتحاد الأوروبي موقفًا موحدًا، ومما لاشك فيه فإن فرنسا تعتمد على مصر كحليف استراتيجي في إدارة الأزمات الإقليمية

من ليبيا إلى السودان، وهو ما يعزز مكانة مصر كوسيط لا غنى عنه في الصراع الفلسطيني، فالدعم الفرنسي المصري المشترك قد يفتح الباب أمام مبادرات إنسانية مشتركة في غزة، مثل إنشاء مستشفى ميداني بتمويل فرنسي، حيث أن زيارة الرئيس الفرنسي لمصر لم تكن مجرد طقوس دبلوماسية، بل حملت رسائل واضحة إلى المجتمع الدولي، ففرنسا تعيد ترتيب أولوياتها في المتوسطمع تعزيز التحالف مع مصر كقاعدة إقليمية

والاتحاد الأوروبي بحاجة إلى شركاء مستقرين مثل مصر في مواجهة الهجرة وأزمات الطاقة، ويكمن الحل في غزة الذي لن يتحقق بدون دور مصري- فرنسي.

تتجلى أهداف فرنسا من زيارة ماكرون في تعزيز العلاقات المصرية الفرنسية، من خلال سعيها إلى تعزيز علاقاتها مع مصر في مختلف المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والتجارة والدفاع والثقافة، ودعم دور مصر الإقليمي من خلال الشراكة الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط

وتسعى إلى دعم دورها في تحقيق الاستقرار الإقليمي ومكافحة الإرهاب، وتسعى في ذات الوقت إلى لعب دور أكثر فاعلية في حل القضية الفلسطينية، من خلال دعم حل الدولتين والضغط على الأطراف المعنية للعودة إلى طاولة المفاوضات.بالإضافة إلى المساهمة في تخفيف التوتر في قطاع غزة، من خلال تقديم المساعدات الإنسانية ودعم جهود الوساطة المصرية، ومن المتوقع أن تساهم زيارة ماكرون في دعم جهود الوساطة المصرية

حيث تعد مصر وسيطًا رئيسيًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتسعى فرنسا إلى دعم جهود الوساطة المصرية، من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة واستئناف المفاوضات بين الجانبين، وتقديم فرنسا المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، من خلال المنظمات الدولية والإغاثية.

لا يمكن إغفال الدور الذي يمكن أن تلعبه فرنسا في الضغط من أجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث تدعم فرنسا حل الدولتين، وتعتبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو خطوة ضرورية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ومن المتوقع أن تزيد فرنسا من ضغوطها على إسرائيل للاعتراف بالدولة الفلسطينية، والعودة إلى طاولة المفاوضات

ورغم ذلك، تبقى التحديات قائمة في عالم تتشابك فيه المصالح، وتبرز زيارة ماكرون كمثال على كيف يمكن للدبلوماسية الذكية أن تحول التحديات إلى فرص، حتى في أكثر المناطق تعقيدًا، مثل التوازن بين المصالح الاقتصادية وملف حقوق الإنسان، وتعقيدات الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. لكن الزيارة أظهرت أن التعاون المصري-الفرنسي قد يكون أحد المفاتيح غير التقليدية لإحداث تغيير إقليمي.


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

هانى خاطر

الدكتور هاني خاطر حاصل على درجة الدكتوراه في السياحة والفندقة، بالإضافة إلى بكالوريوس في الصحافة والإعلام. يشغل حالياً منصب رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية وحقوق الإنسان في كندا، كما يتولى رئاسة تحرير موقع الاتحاد الدولي للصحافة العربية وعدد من المنصات الإعلامية الأخرى. يمتلك الدكتور خاطر خبرة واسعة في مجال الصحافة والإعلام، ويُعرف بكونه صحفياً ومؤلفاً متخصصاً في تغطية قضايا الفساد وحقوق الإنسان والحريات العامة. يركز في أعماله على إبراز القضايا الجوهرية التي تمس العالم العربي، لا سيما تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية. طوال مسيرته المهنية، قام بنشر العديد من المقالات التي سلطت الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي تطال الحريات العامة في عدد من الدول العربية، فضلاً عن تناوله لقضايا الفساد المستشري. ويتميّز أسلوبه الصحفي بالجرأة والشفافية، ساعياً من خلاله إلى رفع الوعي المجتمعي والمساهمة في إحداث تغيير إيجابي. يؤمن الدكتور هاني خاطر بالدور المحوري للصحافة كأداة فعّالة للتغيير، ويرى فيها وسيلة لتعزيز التفكير النقدي ومواجهة الفساد والظلم والانتهاكات، بهدف بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً