حمدي ولد الرشيد وانتفاضة الأحزاب بالصحراء المغربية

تحرير : هشام العباسي

0

على غرار الأمجاد التي سجلتها المقاومة المغربية ضد المحتل الفرنسي و الإسباني، والتي تختزنها الذاكرة الشعبية الوطنية حول حزب الاستقلال؛ الحزب الوطني المحافظ الذي تأسس على يد عدد من قادة الحركة الوطنية المغربية ضد الاستعمار، وعلى رأسهم الزعيم العلامة علال الفاسي المتقلد مسؤولية قيادة الحزب إلى حين وفاته سنة 1973 بروما.

ففضلا عما قدمه الحزب من تضحيات جسام في سبيل تحرير المملكة من المعمر الأوروبي، والتشبت بالملك والتمسك بالملكية وبالعرش العلوي، شكل حزب الاستقلال نواة التجربة الحزبية المغربية، وأرسى دعائم هيكلة دولة المؤسسات، كما ساهم في سن التشريعات ووضع معالم دساتير المملكة.

وإنه، ورغم انتكاسات الماضي، استطاع الحزب أن ينتزع مهمة رئاسة الحكومة على عهد الأمين العام السابق للحزب عباس الفاسي، لينتقل بعدها مباشرة من المساندة النقدية للحكومة إلى ممارسة المعارضة، وهو ما منحه فرصة إعادة توظيب أجنداته السياسية، وتطوير آليات اشتغاله، وترتيب بيته الداخلي.

واعتبارا لما بات يشهده حزب الميزان من دينامية حداثية جديدة في عقر داره،
فقد تمكن بفعل اعتماد سياسة القرب من استعادة ثقة الجماهير الشعبية، لا سيما بعد الاستياء العميق والإحباط الكبير الذي طال المغاربة خلال الولايتين الأخيرتين للحكومة الحالية.

فعلى مستوى الأقاليم الجنوبية للمملكة، توفق الحزب في استقطاب رموز وأسماء وازنة برزت على مستوى الساحة المحلية والوطنية للدفاع عن الوحدة الترابية، و الترافع عن مجموعة من القضايا الوطنية.

فضلا عن المساهمة في تطوير التنمية المندمجة بالمناطق الجنوبية، و إنجاح الاسثمارات بداخلها، وإعطائها دفعة قوية نحو الأمام.

في نفس السياق يقول مراقبون للشأن السياسي إن حزب الاستقلال يرنو إلى تأمين عودة “قوية” إلى المشهد السياسي عبر الاستحقاقات المقبلة. حيث ركز هذا الأخير على شخصيات أكثر وفاء للحزب، وتحظى بنفوذ قوي في الأقاليم الجنوبية.

ومن بين هذه الأسماء تطالعنا الشخصية الأكثر تأثيرا على مستوى أقاليم الجنوب، ويتعلق الأمر بمولاي حمدي ولد الرشيد؛ القيادي الاستقلالي؛ منسق الجهات الجنوبية الثلاث، ودينامو دواليب الحزب بالربوع الصحراوية خاصة، وعلى نطاق مجلسه التنفيذي عموما.. شخصية لها حضور وازن. إذ يصفه البعض بالرجل القوي، وذلك استنادا إلى اعتبارات سياسية واقتصادية وقبلية.

أما البعض الآخر فيرى فيه رقما قويا في معادلة صعبة، وكذلك ورقة رابحة في الاستحقاقات المقبلة.

فلهذا الأخير تجربة فريدة في تدبير الشأن المحلي بالعيون، وفي اتخاذ مجموعة من المواقف المؤثرة في المشهد السياسي سواء الداخلي او المرتبط بتدبير قضية الصحراء. فولد الرشيد بدراعيته الصحراوية وقسمات وجهه الصارمة يلعب أوراقه بحذر سواء داخل حزبه أو بين شيوخ الصحراء الأقوياء. وقد استطاع ان يخلق قاعدة جماهيرية واسعة داخل مناطق الجنوب، كما تفوق في تعزيز صفوفه بشخصيات شابة جديدة ومقربة منه، اشتغل على دمجها وإشراكها في العمل السياسي، و راهن عليها بكل إصرار وعزيمة وثبات.

فمن خلال مواكبته للبرامج المندمجة الخاصة بالشباب حاملي الشهادات، ومساهماته الكبيرة في تطوير وتحسين مدينة العيون، استطاع حمدي ولد الرشيد أن يخلق الحدث بأقاليم الصحراء، ويكسب تفاعلا و تعاطفا جماهيريا ملحوظين.

أما بالنسبة الى الجهة الأخرى على مستوى نفوذ جهة العيون الساقية الحمراء، فقد استطاع إقليم بوجدور ان يسلم مفاتيح الحزب إلى شخصية جد مؤثرة، وأكثر ولاء لحزب الاستقلال: عبد العزيز أبا ؛عضو الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، ورئيس المجلس البلدي لبوجدور. وقد عرف بكونه شخصية متميزة وغامضة تعمل في صمت وتسعى دائما للإطاحة بالخصوم وبالاستراتيجيات الخاصة بهم.

كما يعرف بحنكته في التعامل مع اللحظات الأخيرة لكسب أوراق الفوز على الخصوم ويشهد له بكونه من أكثر السياسيين في حزب الاستقلال ذكاء خلال فترة الثلاثين عاما التي اكتسح فيها الميدان السياسي بإقليم بوجدور، حيث برع الرجل بخلفيته الحزبية ودهائه في تخطيط برامج يكتسح بها كل خطط الخصوم في كل الاستحقاقات الانتخابية الماضية . كما تمكن من تجاوز العديد من المصائد والمصاعب بذكاء يحسد عليه.

وبمدينة السمارة، برز اسم المنتخب: حبدي الزوبير الذي سلك سكة حزب سياسي مغربي آخر في استحقاقات 2015، لكنه سرعان ما غير انتماءه إلى حزب الميزان. فالرجل مقاول كبير أثبث وجوده على الساحة الوطنية عامة و بجهات الصحراء خاصة، وتفوق على سابقين في تدبير الجماعة الحضرية للسمارة كنائب ثان للرئيس. كما تشهد له ساكنة السمارة بمواقفه الإنسانية و بدقة الاسئلة المهمة التي أثارها في الكثير من المناسبات تحت قبة البرلمان همت انشغالات المدينة ومواطنيها، ناهيك عن تسريعه في إنجاز مشاريع البنية التحتية والتنمية عموما بالمدينة.

ونستحضر كذلك شخصية أخرى تقلدت ولا تزال مهمة تدبير وتسيير الشأن العام بالإقليم، ويتعلق الأمر هنا بمحمد سالم لبيهي؛ رئيس المجلس الإقليمي، الرجل الخدوم والمتواضع، الذي يعد واحدا من صناع الصرح التنموي بإقليم السمارة والذي استطاع لأكثر من عقد من الزمن أن يساهم بقوة في بناء الإقليم وخدمة مواطنيه اقتصاديا و اجتماعيا، والحفاظ على توازناته السياسية، والانخراط في المشروع الوطني المتعلق بتنزيل الجهوية المتقدمة، وتخليق الحياة العامة والحكامة، وهو الذي انفتح كذلك على جهات أخرى وأبرم اتفاقية شراكة مع كل من إقليم ورزازات و تنغير همت مجالات ذات تقاطعات مشتركة.

وبالتحاقه يركب الحزب على مستوى إقليم السمارة، أبى المهندس و المستشار البرلماني مولاي ابراهيم شريف – ابن السمارة – الذي قام بدور مهم في عجلة التنمية بالعيون، والمتنافس على رئاسة جماعة السمارة، إلا أن ينقل ترسانة تجربته ومراسه ومعرفته بدهاليز السياسة إلى مسقط رأسه، ويرفع لواء التغيير بالسمارة العالمة، مؤازرا بقاعدة جماهيرية كبيرة، والتي تمني النفس بأن يتقلد منصب مفتش إقليمي لحزب الاستقلال وبتزكية مهمة منه، ومن زعيمه البارز مولاي حمدي ولد الرشيد.

اما بالنسبة إلى شخصية جهة الداخلة واد الذهب، فهي لا تقل أهمية عن باقي الشخصيات المعروفة والمقربة من مركز القرار، ومن حزب الخطاط ينجا؛ الإستقلالي المثقف رئيس جهة الداخلة وادي الذهب. وهو الرجل الذي يستند على قاعدة شعبية كبيرة داخل الجهة. كل ذلك بفضل نجاعة سياسته التنموية الرامية إلى تطوير وتشجيع الاستثمارات الوطنية والدولية بجهة الداخلة وادي الذهب، وخلق تنمية شاملة تعود بالنفع على الساكنة.
فهذا الأخير اعتنى بقطاعات الصيد والفلاحة من أجل تنمية جهة الداخلة- وادي الذهب. وتعود قوة التنمية التي شهدتها الجهة مع الخطاط ينجا بالأساس إلى انتمائه الصحراوي، وإلمامه بالواقع المرتبط بمختلف الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتاريخية.

وحسب الاستراتيجيين وتوقعاتهم المنتظرة، فإن الإستحقاقات القادمة ستشكل لا محالة محطة تاريخية واستثنائية لحزب الإستقلال من أجل تحصين المسلسل الديمقراطي، و استرجاع ثقة المواطنين، و حصد قاعدة جديدة بالاعتماد على مجموعة من الأسماء الوازنة التي ستشكل العمود الفقري للحزب إلى جانب كوادره العتيدة الأخرى.

أمثال السالك بولون، و ابراهيم الوعبان، و بوعيدة عبد الرحيم ،عبد الرحمان فبيان، محمد سالم لمجيدري، أحمد الحكوني ، مولاي ابراهيم العثماني واسماء أخرى بصمت بقوة في رقعة المشهد السياسي بالأقاليم الجنوبية.

إن الحزب استرد عافيته كاملة وأصبح رقما صعبا في الساحة وبالمعادلة السياسية بجهات الجنوب ، بعدما استطاع إسقاط القطبية الحزبية المصطنعة التي سادت وبادت، وفرض نفسه بمناضليه وتنظيماته وبدرعه البرلماني ومواقفه الوطنية الصامدة.

اترك رد