انسحاب مصر من مجلس تجارة الحبوب وآثاره على الأمن الغذائى المصرى

أ.د إبراهيم درويش يكتب:

0

من المهم أن نشير إلى أن انسحاب مصر من مجلس الحبوب الدولى يجب أن يكون دافعا لتحقيق الاكتفاء الذاتى من محاصيل الحبوب وهذا ماتسعى إليه الدولة المصرية منذ عام ٢٠١٤ من التوجه بقوة نحو دعم القطاع الزراعى .

وفي ضوء ذلك تم إعلان الدولة المصرية الانسحاب من مجلس الحبوب الدولى .. بالرغم أن مصر من أكبر مستوردين القمح في العالم فهى تستورد حوالى ١٢ مليون طنا في العام من إجمالي حجم تجارة القمح العالمية والتى تصل إلى نحو ٢٠٠ مليون طن سنويا، وأيضا هى رابع مستورد لحبوب الذرة الشامية فى العالم حيث تستورد كميات كبيرة من الذرة الشامية تصل إلى ١٢ مليون طن فى العام من إجمالى ٤٠ مليون طن حجم التجارة العالمية من هذا المحصول ..

ومصر كما كانت تستورد كانت تصدر محصول الأرز قبل تقليل المساحة المنزرعة منه ترشيدا للمياه فقد كانت تصدر نحو ٢ مليون طن أرز من إجمالي حجم تجارته فى العالم والتى تصل إلى ٥٠ مليون طن فى العام ..

وقد أقدمت الحكومة المصرية فى خطوة مفاجئة بالانسحاب من اتفاقية تجارة الحبوب الدولية التابعة للأمم المتحدة وذلك بتقديم القاهرة إخطارًا يوم ١٣ فبراير الماضي للمجلس الدولي للحبوب وسكرتارية الاتفاقية، بقرار الانسحاب من الاتفاقية اعتبارًا من ٣٠ يونيو المقبل وانسحاب مصر، سيكون نافذا اعتبارا من ٣٠ يونيو القادم في ختام السنة المالية لتجارة الأغذية….

واتفاقية تجارة الحبوب وهى تعمل على تغطية تجارة الحبوب عالميا وتعنى بتعزيز شفافية أسواق الحبوب وزيادة التعاون التجاري بين الدول في بورصات وأسواق الحبوب العالمية وقد تم تدشينها عندما قرر مؤتمر الحكومات الذي عقد في لندن في ٦ يوليو ١٩٩٥م  ، وقد بدأ العمل بهذه الاتفاقية اعتبارًا من مطلع يوليو ١٩٩٦ م بين الحكومات والمنظمات الدولية التي أودعت صكوك التصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام وكانت الدولة المصرية من بين الموقعين على هذه الاتفاقية منذ انطلاقها عام١٩٩٥ م .

والاتفاقية تجمع بين البلاد الرئيسية المستوردة والمصدرة للحبوب مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهى الاتفاقية أو المعاهدة الدولية الوحيدة التي تغطي تجارة الحبوب، وتقوم الاتفاقية على ٣٤ مادة رئيسية، وتتمثل أهدافها في الآتي:-

١- تعزيز التعاون الدولي في جميع جوانب التجارة في الحبوب

٢- تشجيع التوسع في التجارة الدولية لتأمين أكبر تدفق ممكن لهذه التجارة

٣- المساهمة إلى أقصى حد ممكن في استقرار أسواق الحبوب الدولية

٤- توفير منتدى لتبادل المعلومات تستهدف تعزيز شفافية السوق لزيادة التعاون التجاري

٥- تعهد الأعضاء المشاركون بإجراء أي معاملات ميسرة في الحبوب بطريقة تتجنب التداخل الضار مع أنماط الإنتاج والتجارة الدولية

أسباب انسحاب الدولة المصرية..

ترجع أسباب انسحاب الدولة المصرية من لهذه الاتفاقية وفقا لما صرح به السيد وزير الخارجية تعليقا على الانسحاب بقوله بأن الدولة المصرية تدارست الأمر وخلصت بأن الاتفاقية لا تنطوي على قيمة مضافة للدولة المصرية .. وليست ذات جدوى إقتصادية ولا زراعية وأن هذه الاتفاقية بلا قيمة مُضافة على الدولة المصرية ولم يكن لها دور فى تحقيق الأمن الغذائى للدول الفقيرة ؛ وأن مصر لم تجد دور للمنظمة الأممية لحماية أعضائها من خلال ضبط الأسواق العالمية وتقديم يد المساعدة للدول النامية المستوردة لغذائها خاصة الدول الإفريقية، حيث استغل البعض الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة في مضاعفة أسعار الحبوب عالميا وجنوا من ذلك أرباحا كبيرة غير مشروعة إستغلالا للأزمة”..

ولقد نادت الدولة المصرية بأن يلعب أعضاء هذه الإتفاقية الأممية دورا في المساعدة على عدم استغلال الأزمة الروسية الأوكرانية بعدم رفع الغرب لأسعار الغذاء بهذه النسب الضخمة،

وإبعاد مجلس تجارة الحبوب عن هناك الصراعات بين روسيا من جانب، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جانب آخر، والعقوبات الاقتصادية متبادلة لآثارها المدمرة على توفير الغذاء العالمى ، ولكن لم تجد الدولة المصرية صدى ..

مما أضر بمصر واقتصادها كثيرا من هذه الأزمة والتي كانت من أهم أسباب تراجع سيولتها من العملات الأجنبية وإرتفاع معدلات التضخم بها وأدى ذلك إلى تراكم شحنات الحبوب في الموانىء المصرية وتأخير الإفراج عنها بسبب نقص السيولة من العملات الأجنبية والتي تبعتها تحرير صرف العملة بما ضاعف الأسعار.

خاصة وأن العالم كان قد خرج لتوه من أزمة كوفيد 19 والتي أثرت كثيرا أيضا على دخول واقتصاديات الدول الفقيرة، وسلاسل الإمداد الدولية وبالتالي زيادة تكاليف استيراد الحبوب.

وبالتالى فإن الاتفاقية أصبحت بلا دور فاعل في أسواق تجارة الحبوب العالمية وليس لها دور في السيطرة على أسعارها وقت الأزمات.

و لم يتم تنفيذ الاهداف المرجوة ..منها بل ساهمت فى تعميق الأزمة على الدول النامية ..ووفرت الغذاء للدول الأوربية .. واعتمدت كسلاح اقتصادى فى إطار الحرب الدائرة بين روسيا والدول الأوربية وامريكا بتضيق الخناق على من يستورد القمح الروسى والذى دفع ضريبة ذلك هى الدول النامية ومن بينها الدولة المصرية ..وخاصة بعد الكثير من المناوشات والمعايير المزدوجة في التعامل مع مصر والدول الأخرى فيما يخص القمح.

والقرار المصري ربنا يكون رسالة واضحة بأن الاتفاقات يجب أن تكون ذات جدوى، وإلا فلا داعى للانضمام إليها أو التزام من طرف واحد

والخطوة المصرية جاءت بعد الخطوة الروسية ..وذلك بإعلان روسيا أيضا الانسحاب من هذه الاتفاقية بعد تعرض سفنها الثلاثة إلى الاعتداء عليها فى البحر الأسود وستنتهى علاقتها بمجلس تجارة الحبوب فى ١٧ مارس الحالى وهذا بلاشك إلى أدى إلى ارتباك كبير فى الأوساط السياسية والاقتصادية خاصة أمريكا وحلفائها من الدول الغربية وعلّق المدير التنفيذي لمجلس الحبوب الدولي، أرنو بيتي، على قرار مصر بالانسحاب، بأن العديد من الوفود داخل مجلس الحكم متفاجئة ومحزنة بشأن القرار، وأن العديد من الأعضاء سيطلبون من مصر إعادة النظر في قرارها.

مما يوحى أن هناك تنسيق بين القاهرة وموسكو فى هذا الشأن خاصة أن الدولة المصرية بتعتمد على روسيا فى واردتها من القمح  وامريكا والدول الغربية كانت تريد فرض سيطرتها على مصر فيما يخص الحبوب، وعدم استيراد أي أقماح من روسيا،.. ولوحظ خلال الفترة الأخيرة وصول كميات كبيرة من القمح الروسي إلى الموانئ المصرية..

وعلقت السفارة الروسية فى القاهرة على انسحاب الدول المصرية من مجلس تجارة الحبوب الدولى بقولها أن الأمريكيين والأوروبيين فشلوا في تعطيل إمداد مصر بالقمح الروسي، ورغم كل العوائق التي خلقها الغرب، بل على العكس، فقد نمت هذه الإمدادات ويمكن أن تصل إلى ٨ مليون طن في العام الزراعي 2022-2023. في الوقت ومع التضيق على الدولة المصرية كانت هناك تسهيلات عندما يتم إرسال الحبوب الأوكرانية بشكل أساسي إلى أوروبا لدفع ثمن الأسلحة المنقولة من هناك إلى نظام كييف لمواصلة الحرب..

هل تتأثر مصر بالانسحاب من هذه الاتفاقية ؟

أولا:- الدولة المصرية درست الأمر جيدا وقرار نسحابها وهى أكبر دولة مستوردة فإنها تقدم إنذارا وتحذيرا من هذه الازدواجية والكيل بمكيالين .. وأنها بقرار انسحابها تعلن عن حقها وتضررها من الظلم الذي تتعرض له دول العالم خصوصا في إفريقيا وجنوب الكرة الأرضية ..كما نعلم عن استقلال قرارها وحريتها فى تستورد من اى دوله وبالعملة التى تناسب إمكانياتها وليس شرطا أن يكون بالدولار ….

ثانيا:- مصر استطاعت من خلال علاقاتها السياسية والدبلوماسية أن تنوع مصادر استيرادها وتتعامل مع معظم دول العالم والتى جعلها تستطيع أن تؤمن احتياجاتها في الفترة الماضية، كما تمكنت من استيراد القمح من بلدان جديدة مثل الهند على سبيل المثال

ثالثا:-  مصر غير مستفيدة من تلك الاتفاقية بشكل كبير، بالمقارنة بماتدفعه من اشتراكات دورية بقيمة كبيرة، مقابل الحصول على خدمات تلك الاتفاقية من حيث مدها بالمعلومات بكل ما يخص الحبوب عالميًا، وقيامها بتعزيز شفافية السوق لزيادة التعاون التجاري.

رابعا:-  وزارة الخارجية المصرية أكدت في بيان لها، أن القرار اتخذ بعد تقييم من وزارتي التموين والتجارة، خلص إلى أن عضوية مصر في المجلس “بدون قيمة مضافة”.

خامسا:-  يحق للدولة المصرية الانسحاب وذلك وفقًا لما نصت عليه المادة 29 من تلك الاتفاقية، والتي تسمح للدول المنضوية تحت رايتها باتخاذ قرار الانسحاب ونص المادة 29 من اتفاقية تجارة “يقول ، يجوز لأي عضو الانسحاب من هذه الاتفاقية في نهاية أي سنة مالية عن طريق تقديم إشعار كتابي بالانسحاب قبل تسعين يومًا على الأقل من نهاية السنة المالية لكن لا يجوز إعفاء الدولة المنسحبة من أي التزامات بموجب هذه الاتفاقية ما لم يتم الوفاء بها بحلول نهاية تلك السنة المالية، كما يقوم العضو بإبلاغ المجلس في نفس الوقت بالإجراء الذي اتخذه، حسبما نصّت الاتفاقية. وهذا ماقامت به الدولة المصرية بتقديم طلب الانسحاب قبل ٩٠ يوم

هل تستطيع الدولة المصرية تأمين احتياجاتها من الحبوب ؟؟؟

بالتأكيد الدولة المصرية تسعى جاهدة على تحقيق الأمن الغذائى من خلال الاهتمام الغير مسبوق من القيادة السياسية بالقطاع الزراعى .. ويمكن تأمين احتياجات الدولة المصرية من الحبوب من خلال عدة محاور مختلفة منها:-

١- الاهتمام بالتوسع فى زراعة المحاصيل الاستراتيجية وخاصة الحبوب .. من خلال إضافة مساحات جديدة إلى الرقعة الزراعية . وتعظيم إنتاجية وحدة المساحة وتفعيل الزراعة التعاقدية

٢- تنويع مصادر الاستيراد ..صحيح ان من أهم وأكثر الدول التى نستورد منها روسيا وأوكرانيا لكن هناك الآن ٢٢ دولة أو مصدر يمكن الاستيراد منها مثل رومانيا وفرنسا بل وكندا واستراليا واذربيحان والهند

٣- رفع السعة التخزينية من خلال مشروع الصوامع في مصر بما يرفع القدرة على التخزين لعام كامل لضعف الكمية ستصل إلى 4 مليون طن

٤- الحد من الفاقد والهدف فى جميع مراحل الإنتاج والتصنيع والتسويق .

٥- تشديد نظام الحوكمة والمراقبة من خلال أجهزة الدولة وتفعيل التشريعات المناسبة لمواجهة تجار الأزمات .

٦- الاهتمام بقضية رفع الوعى بالظروف العالمية الراهنة وأهمية الاعتماد على الذات والموارد المحلية والتنبيه بخطورة الاحتكار .. واستغلال الأزمات ..

٧- التوسع فى الاتفاقات الثنائية من خلال تبادل السلع بالعملة المحلية ..كالهند والصين وروسيا مما سيقلل الطلب على العملة الصعبة وخاصة أن معظم صادرات مصر من السلع الزراعية ..

حفظ الله مصر

بقلم  أ.د / ابراهيم حسينى درويش أستاذ المحاصيل وكيل كلية الزراعة جامعة المنوفية

اترك رد