من مكارم الأخلاق عدم إلاستعلاء على الناس

أ.د / إبراهيم درويش يكتب:

0

الاستعلاء احد مظاهر الكبر والغرور بان يعتقد الشخص فى نفسه انه الافضل والاحسن ومافيش منه .. فيستعلى على غيره من الناس، ويترفع على من دونه …فى طريقة تعامله ..

فتتغر سلوكياته ونظرته للناس واسلوب تعامله معهم ..فيغلب عليها الصلف والسخرية وعدم مراعاة مشاعرهم ..مظهرا لهم الجفاء و الغرور والتكبر والتجبر …

وللاستعلاء والكبر له صور متعددة اهمها واخطرها عندما يصدك الكبر عن اتباع الحق مع وضوحه ويرده ولا يقبله، وحين يزدري الناس ويحتقرهم ولا يحترمهم، ويكسر بخاطرهم

الاساب التى تؤدى الى الاستعلاء والغرور والتكبر متعددة منها :

—————————————

١- ضعف الايمان بالله تعالى إذ لو كان قوي الإيمان بالله، ما تكبر: لأنه يكون حينئذ مؤمنا بأن الله وحده هو الكبير المتعال، وهو العزيز الجبار المتكبر فأول اسباب التكبر، هو ضعف الإيمان بالله، وعدم الإيمان بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب، وان الملك فيها لله الواحد القهار، قال الله تعالى: (فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون)

٢- التفاخر بالاحساب والأنساب، والله تعالى قد جعل ميزات الأفضلية بتقواه لا بالأحساب ولا بالأنساب (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

٣- كثرة المال وكثرة العرض الذى يطغيه فالمال عرض زائل، وهو فتنة لصاحبه، نعم المال الصالح للرجل الصالح يقول صلى الله عليه وسلم( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) والذي يتكبر بالمال، لا يأمن ان تزول النعمة من يده، أو يهلك ماله، فليس له ان يستعلى على الناس بالمال بل عليه أن يؤدي حق الله وحق العباد.

٤- المنصب والسلطان والجاه فكثير من الناس يتغيرون في معاملاتهم إذا تولوا منصبا، ويأخذهم الصلف والغرور، وينسى رفقاء رحلته أيام التعب والخشونة ولكن شأن كرام الناس ألا تغيرهم المناصب، وألا ينسوا إخوانهم، كما قال الشاعر:

إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا

من كان يألفهم في المواطن الخشن

٥- الاستعلاء والكبر ناتج عن

العُجب، والعجب الانسان بنفسه او فكره وتاخذه العظمه ويقول مااوريكم الا ماأرى …

٦- الاستعلاء والكبر قد يكون ناتج عن الشعور بالنقص الداخلى والدونية فيحاول ان يعوضها بمظاهر منفرة للناس منه حتى يظهر انه ذو اهمية وحيثية

٥- الاستعلاء والكبر وقد يكون ناتج عن حالة مرضية ونفسية يحتاج صاحبها الى لدعم علاجي نفسي سلوكي ..ويحاول اخفاء مرضه بغروره واستعلائه..

٦- أخطر وأعلى أنواع الاستعلاء والكبر وأخطرها على النفس الاستعلاء بالعلم والعبادة، فالعلماء والدعاة أحوج الناس إلى لطف الله؛ لأن العاصي يستشعر بعصيانه الندم والتقصير، وقد يوكل العلماء والدعاة إلى أنفسهم فيظنون انهم ناجون ..

نتيجة واثار الاستعلاء والغرور

——————————-

نتيجة الاستعلاء بتكون كارثية لان المغرور يخسر حب كل من يتعامل معه وتقديرهم له ومهما فعل فهو فى نظرهم صغير الافعال والاقوال لايستحق الا الذم والاستهزاء والاستنكار من الجميع ….

كما ان المغرور له خُلق من أخلاق إبليس الذى نظر إلى نفسه فى غرور . .. حتى رد الامر على ربه وأبى أن يسجد لآدم عليه السلام قائلا ..”أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين” فكانت عاقبته الطرد من رحمة الله ..

ولذلك كل الاعراف والشرائع السماوية تحذر من خلق الغرور. والاستعلاء والتكبر

لانها تؤدى بصاحب هذا الخلق إلى خسارة الدنيا والاخرة ..

يقول تعالى محذرا : (ولا تصعِّر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً)

والكبر يورد صاحبه موارد الهلاك، لأنه يدفعه إلى كل شر ويبعده عن كل خير، فعن أبي مسلمة بن عبدالرحمن قال: التقى عبدالله بن عمرو. وعبدالله بن عمر على الصفا فتوافقا، فمضى ابن عمرو، وأقام ابن عمر يبكي، فقالوا: ما يبكيك يا أبا عبدالرحمن؟ فقال: هذا يعني عبدالله بن عمرو زعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر أكبه الله في النار على وجهه ,

ومن الآثار السيئة التي تترتب على هذا المرض الخلقي الكبر ما يأتي:

أولا : ان الله تعالى يعمي قلب المتكبر والمغرور ، فلا يهتدي إلى الحق، لأن الله تعالى يطمس على قلبه عقوبة له على تكبره

، قال سبحانه: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) وقال سبحانه: (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار).

ثانيا:عدم محبة الله له لأن الله تعالى لا يحب كل مختال فخور، ولا يحظى بكرم الله تعالى إلا من أحبه فالمتكبر بعيد عن الله، قال تعالى: (إن الله لا يحب كل مختال فخور).

ثالثا : يمتد خطر الكبر حتى يصل صاحبه الى ان يستكبر عن عبادة ربه سبحانه وتعالى، فتكون نهايته جهنم وبئس القرار قال تعالى: (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).

رابعا : غضب الله سبحانه عليه ، وسوء خاتمته حتى يلقى الله وهو عليه غضبان، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان .

خامسا: ان الله تعالى يعجل للمتكبر العقوبة ويضاعفها له حتى تصل إلى الخسف من الدنيا، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يتبختر في بردته، إذ أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة .

علاج الاستعلاء والغرور

——————————

عندما يصاب الفرد بداءالغرور والاستعلاء عليه ان يعرف ان التعامل مع الناس فيه مقايضة وعلى قدر احترامه للناس سوف يحترمه الناس ..وعلى قدر استعلائه سوف تبغضه الناس

كما انه على من رأى في نفسه الاستعلاء ان يرى نفسه وأصلها وأن يتخلى عن مرض الغرور، ويتحلى بالتواضع ويكون له فى سيدنا عمر بن عبدالعزيز رضى الله عنه القدوة فقد كان مع بعض جلسائه فاحتاج السراج إلى اصلاح فقام ليصلحه، فقالوا له: كنا نكفيك ذلك؟ فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قمت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر ما نقص مني شيء.

ونذكر الذي يستعلى على الناس بالآية الكريمة التى تقول

(كَلَّا ۖ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ )

أي إنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ; كما خلق سائر جنسهم والنطفة هى ماء مهين ….اى لافضل لا حد على احد فكلنا خلق الله وميزان التفاضل الوحيد بين البشر هو بالتقوى والعمل الصالح ، فلا يليق ان يستعلى احد على احد فكلنا كما يقال اولاد تسعة شهور ! .

ويقول محمود الوراق للمغرور والمستعلى :عجبت من معجب بصورته وكان في الأصل نطفة مذره. ،وهو غدا بعد حسن صورته يصير في اللحد جيفة قذره،وهو على تيهه ونخوته ما بين ثوبيه يحمل العذره….وقال آخر :

هل في ابن آدم غير الرأس مكرمة وهو بخمس من الأوساخ مضروب

أنف يسيل وأذن ريحها سهك والعين مرمصة والثغر ملهوب

يا ابن التراب ومأكول التراب غدا قصر فإنك مأكول ومشروب

وورد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، وفعله حسنا؟ قال: إن الله جميل يجب الجمال….. الكبر بطر الحق وغمط الناس ……

ومعنى بطر الحق؟ رده وعدم قبوله ومعنى غمط الناس احتقارهم.

وجزاءه الذى يستعلى على الناس فى الدنيا الاستصغار والاستهزاء والاستخفاف في اعين الناس وكره الناس له … وجزاءه الاخروي الذل والهوان…

وهذا المرض الُخلقي قد لا يقتصر على شياطين البشر بل احيانا يصاب حتى أولئك الذين يدّعون الايمان بالله والالتزام بتعاليم دينه بل والدعوة اليه!!

وقالوا عن الاستعلاء انه

ينافي الإنسانية والرحمة ، وهو شعور ناتج عن مشاعر عارمة من الغضب والكره ….

واذا رأيت مغروراً أو متكبراً اعلم انه لديه عقدة نقص….

و‏منشأ الغرور عند الانسان هو هيمنة الكبرياء على النفس، ومن مظاهره الاستعلاء والعدوان والطغيان واستحقار الناس والتفرعن عليهم

وجزاءه الدنيوي الحسرة والندامة

وجزاءه الاخروي الذل والهوان…

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها..

بقلم .. ا.د / إبراهيم درويش أستاذ المحاصيل الحقلية ووكيل كلية الزراعة جامعة المنوفية

اترك رد