كُتاب

مصر الكويت أخوة راسخة عبر الزمان

بقلم/ ناصر السلاموني

لم تكن العلاقة بين مصر والكويت يومًا مجرد علاقات دبلوماسية عابرة أو كغيرها من العلاقات ، بل كانت وما زالت نسيجًا متينًا من الأخوة والوفاء والتكامل بين شعبين جمعت بينهما المواقف قبل المصالح، والتاريخ قبل الجغرافيا. في أواخر القرن التاسع عشر، خضعت الكويت لاتفاقية حماية بريطانية عام 1899 لتحصين كيانها من الأطماع الإقليمية.

وبعد أكثر من ستة عقود من تلك الحماية، أعلنت الكويت استقلالها في 19 يونيو 1961، وهنا بدأت أولى صفحات الأخوة، حين كانت مصر بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر أول دولة عربية تعترف باستقلال الكويت وتدافع عنه سياسيًا، خاصة بعد تهديدات من العراق بضمها. لعبت القاهرة دورًا محوريًا في حشد الدعم العربي والدولي للحفاظ على سيادة الكويت، وساهمت في تأمين أولى خطوات الدولة الحديثة.

منذ استقلال الكويت، كانت العقول المصرية حاضرة في بناء الدولة، خاصة في مجالي التعليم والصحة. أرسلت مصر آلاف المعلمين الذين ساهموا في تأسيس النظام التعليمي الكويتي، وخرجوا أجيالًا من المثقفين الكويتيين الذين أصبحوا رموزًا وطنية، كما شارك الأطباء المصريون في إنشاء المستشفيات وتقديم الخدمات الصحية

وكانوا من الركائز الأساسية للنهضة الطبية هناك. ولم يقتصر الحضور المصري على التعليم والصحة، بل امتد ليشمل صياغة القوانين، وتخطيط المدن، وتطوير البنية التحتية، والمشاركة في الإعلام والثقافة، ما جعل الكويت منارة خليجية ناهضة تحمل في طياتها الروح العربية الأصيلة.

ولم تكن العلاقة من طرف واحد، بل وقفت الكويت دائمًا إلى جانب مصر في أحرج محطاتها التاريخية. ففي حرب عام 1967، كانت الكويت من أوائل الدول التي دعمت مصر ماليًا وسياسيًا رغم مرارة الهزيمة، وفي حرب أكتوبر 1973، أرسلت قوات ومساعدات مالية إلى الجبهة المصرية، وشاركت بفعالية في حظر تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل. ولم تتغير المواقف مع مرور الزمن

فبعد ثورة 25 يناير 2011، كانت الكويت من الدول الداعمة لمصر في فترة التحول السياسي والاقتصادي، وقدّمت مساعدات اقتصادية ومشروعات تنموية دعمت استقرار الدولة المصرية.

وحينما تعرضت الكويت لغزو عراقي مفاجئ في 2 أغسطس 1990، لم تتأخر مصر في رد الجميل. كانت القاهرة أول من أدان الغزو بشكل صريح، وأكدت على ضرورة الحفاظ على سيادة الكويت، وشاركت بجيشها في قوات التحالف الدولي لتحرير الكويت، وكانت من أوائل الدول التي استقبلت الكويتيين النازحين ووقفت معهم في المحافل الدولية.

وشهدت فترة الرئيس عبد الفتاح السيسي تطورًا كبيرًا في العلاقات بين البلدين، فقد كانت الكويت من أولى الدول التي دعمت مصر سياسيًا واقتصاديًا بعد ثورة 30 يونيو 2013، حيث قدمت مساعدات مالية بلغت نحو أربعة مليارات دولار، شملت منحًا وودائع بترولية وتمويلًا لمشروعات بنية تحتية. كما شهد التعاون الاقتصادي طفرة ملحوظة، فالكويت تُعد من أكبر المستثمرين العرب في مصر، إذ تتجاوز استثماراتها سبعة عشر مليار دولار في قطاعات متنوعة تشمل العقارات والصناعة والزراعة والطاقة والسياحة.

التنسيق السياسي بين البلدين ظل حاضرًا بقوة، خاصة في القضايا الإقليمية الكبرى مثل الأزمة الليبية، والسورية، واليمنية، فضلًا عن القضية الفلسطينية، حيث حافظت القاهرة والكويت على مواقف ثابتة داعمة للحلول السياسية ولحقوق الشعوب. وخلال جائحة كورونا، تبادل البلدان المساعدات الطبية وحرصا على حماية الجاليات وتسهيل تنقلاتها في وقت عصيب.

وتحظى الجالية المصرية في الكويت باحترام كبير، وتمثل عنصرًا أساسيًا في مختلف القطاعات، مثل التعليم، والصحة، والهندسة، والبناء، كما يشارك المسؤولون الكويتيون في الاحتفال بالمناسبات الوطنية المصرية، ويتم تكريم الشخصيات الكويتية الداعمة للقضايا العربية من قبل الدولة المصرية.

إن ما يجمع مصر والكويت ليس مجرد علاقات ثنائية، بل قصة تاريخية حقيقية من المواقف المتبادلة، والمصير المشترك، والعطاء المتبادل عبر الأجيال. قصة بدأت من ميلاد دولة، ثم شيدت نهضة، وواجهت محنًا، وستظل تنسج المستقبل على خيوط من الوفاء والصدق.


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً