كُتاب

فلسطين.. جرح وصراع يحسم استقرار المنطقة

بقلم: ناصر السلاموني

في كل رصاصة تُطلق على غزة، تصرخ العدالة في وجه العالم الصامت. ولا تزال القضية الفلسطينية، منذ عام 1948، تمثل جوهر الصراع في منطقة الشرق الأوسط. ومع كل تصعيد إسرائيلي جديد، تتجدد التساؤلات: كيف يمكن تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة في ظل استمرار الاحتلال؟ وهل من الممكن فصل مستقبل الشرق الأوسط عن مستقبل فلسطين؟القضية الفلسطينية: محورية الصراع وأساس الاستقرار

لا استقرار حقيقي دون حل عادل للقضية الفلسطينية، لأن الاحتلال ليس فقط احتلال أرض، بل هو احتلال للكرامة واغتصاب لحقوق شعب. واستمرار هذا الوضع يولّد توترات، ويغذي التطرف، ويحول دون أي فرصة لبناء بيئة سلمية في المنطقة.

فالقضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل هي جوهر الصراع في الشرق الأوسط، ومفتاح رئيسي لتحقيق الأمن والاستقرار. وطالما ظل هذا الجرح مفتوحًا، ستظل المنطقة معرضة للتوترات والانفجارات. لأنها قضية مركزية تمس مشاعر الشعوب العربية والإسلامية، وتؤثر بشكل مباشر في العلاقات الإقليمية والدولية. لذا فإن الحل العادل والشامل للقضية يهيئ الأرضية لبناء شرق أوسط جديد، قائم على العدالة والتعايش، بدلاً من الاحتلال والعنف.

ازدواجية المعايير وتواطؤ دولي

نحن نرى بأم أعيننا تواطؤًا دوليًا وصمتًا مريبًا؛ فالواقع يتحدث عن نفسه. لقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 115 مرة حق الفيتو في مجلس الأمن لإفشال أي قرار يدين إسرائيل أو يدعو لحماية الفلسطينيين. وهذا الصمت من بعض الدول ليس حيادًا، بل هو انحياز، خاصة حين يترافق مع تزويد إسرائيل بالسلاح والدعم السياسي.

إن هذا الصمت يعكس ازدواجية المعايير في النظام الدولي، حيث تُغضّ الأطراف الغربية الطرف عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، عندما يكون المعتدي حليفًا استراتيجيًا. وهذا لا يعد غضًّا للطرف فحسب، بل هو تواطؤ ضمني، وتغذية مستمرة لشعور الشعوب بعدم العدالة، وتقويض لمصداقية المؤسسات الدولية.

غزة.. جرح نازف وعدوان مستمر

إن استقرار المنطقة مرهون بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فالعدوان على غزة ليس مجرد حملة عسكرية، بل هو جريمة متكررة تهدف إلى تركيع شعب أعزل. وطالما استمر الحصار والهجمات، فإن جراح المنطقة ستظل مفتوحة. وهذا العدوان لا يُنتج سوى الغضب في فلسطين والشعوب العربية والإسلامية، وردود أفعال قد تمتد إلى الانتقام بشتى صوره المتاحة.

فكل عملية قصف، وكل مجزرة تُرتكب، تُعمّق الجراح وتُغذي مشاعر الانتقام وعدم الاستقرار. لذا فإن وقف العدوان هو ضرورة إنسانية وسياسية، تتجاوز حدود اللحظة لتشمل مستقبلًا أكثر استقرارًا وإنصافًا.

الأزمات الإقليمية.. وتشابك المصالح

الأزمات العربية المتشابكة التي تشهدها المنطقة، من تحديات وأزمات ممتدة، هي أزمات مفتعلة من أجهزة الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، تبدأ من سوريا إلى ليبيا، ومن السودان إلى اليمن. واستمرارها، وعدم حلها، يمثل انعكاسًا لانقسام القرار العربي وغياب رؤية موحدة.

هذه الأزمات المركبة – اقتصادية، اجتماعية، وسياسية – تتطلب إرادة سياسية جريئة، ووساطة إقليمية صادقة، مع دعم دولي متوازن. وهذا لا يتحقق إلا بالحوار الوطني، وتغليب مصلحة الشعوب على الحسابات الضيقة.

مصر.. صوت التوازن وقوة الاستقرار

في هذا السياق، يبرز النشاط الدبلوماسي للدولة المصرية ويظهر ثقل مصر الإقليمي والدولي. فقد أثبتت مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أنها صوت التوازن في منطقة مشتعلة، بجهودها في وقف إطلاق النار، ودعم المفاوضات، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين، وفتح المعابر لإيصال المساعدات.

دبلوماسية القاهرة تقوم على التوازن، ورفض الاستقطاب، والدفع نحو التهدئة. من غزة إلى السودان، ومن ليبيا إلى الساحة الخليجية، تتحرك مصر كركيزة استقرار، تؤمن أن الحلول السلمية هي المخرج الوحيد.

والتحركات المصرية للرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي اختتمها بجولة خليجية شملت الكويت وقطر، ليست تحركات بروتوكولية، بل تأكيد على قراءة عميقة للمشهد الإقليمي، وبناء جبهة عربية موحدة. فهذه التحركات تعزز منظومة الأمن العربي المشترك، وتفتح آفاقًا دبلوماسية واقتصادية، في ظل تحديات جسيمة كأزمة الطاقة، والأمن الغذائي، والتهديدات العابرة للحدود.

إن موقف مصر الرافض لتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وتمسكها بالحل السياسي وحل الدولتين، يُعد موقفًا استراتيجيًا يتسق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. مصر تؤمن بأن الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، هي مفتاح السلام والاستقرار.

الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. تحوّل في الوعي الدولي

وفي ظل انسداد الأفق السياسي، تزداد أهمية التنسيق بين مصر، ودول الجوار، والخليج، والقوى الدولية. هذا التنسيق ليس رفاهية، بل ضرورة. فمصر، رغم ثقلها، لا تملك وحدها أدوات الضغط، بل تحتاج إلى شراكة حقيقية مع الولايات المتحدة، وأوروبا، وكل من يملك التأثير على الاحتلال.

وقد ظهر هذا حين أكدت عضو وفد البرلمان الأوروبي المعني بفلسطين أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة أساسية نحو تحقيق السلام. هذا يعكس تغيرًا تدريجيًا في الوعي الأوروبي، حيث بدأ الخطاب الغربي يسمع نبض الشارع الغاضب من المجازر.

فالاعتراف بالدولة الفلسطينية لم يعد مجرد تضامن رمزي، بل أصبح ضرورة أخلاقية وسياسية. إنه ضغط مباشر على إسرائيل لوقف سياساتها الاستيطانية.

زخم شعبي وسياسي يمهد لتحول حقيقي

ما نراه من آراء سياسية منحازة للحق الفلسطيني يعبر عن دلالات التوجه الحالي لبعض الدول الأوروبية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية. حينما خرجت التظاهرات من برلمانات أوروبا إلى شوارع نيويورك، وبدأت الصحف الكبرى تُغطّي المجازر بجرأة، بدا أن هناك زخمًا شعبيًا وسياسيًا يُمهّد لتحرك دولي أوسع، يعيد الروح لحل الدولتين، ويعيد التوازن لسياسات طالما شابها الانحياز.

ما الذي يمكن للعرب فعله؟

إذا أردنا أن يستمر انحياز العالم لصوت العقل، علينا أن نؤمن بأنه لا أمن في الشرق الأوسط دون عدالة للفلسطينيين. فكل المؤتمرات العربية، وكل المبادرات، ما زالت تصطدم بجدار الدعم الأمريكي لإسرائيل، وصمت دولي يساوي بين الضحية والجلاد.

لذا يجب علينا :

1. توحيد الصف الفلسطيني والالتزام بالحوار الداخلي.

2. دعم الدور المصري كجسر للمصالحة والمساعدات.

3. تحريك العمل العربي المشترك لمواجهة ازدواجية المعايير.

4. حث الدول الأوروبية على الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية.

5. كسر الحصار الإعلامي والسياسي، وكشف جرائم الاحتلال عبر المحافل الدولية.

فلسطين بوصلتنا

فلسطين هي بوصلتنا الأخلاقية والسياسية. وبانتصارها، ينتصر العدل في هذا العالم. لن يكون هناك سلام حقيقي، ولا استقرار دائم، إلا بعودة الحقوق إلى أصحابها، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية.

 ناصر السلاموني


اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

هانى خاطر

الدكتور هاني خاطر حاصل على درجة الدكتوراه في السياحة والفندقة، بالإضافة إلى بكالوريوس في الصحافة والإعلام. يشغل حالياً منصب رئيس الاتحاد الدولي للصحافة العربية وحقوق الإنسان في كندا، كما يتولى رئاسة تحرير موقع الاتحاد الدولي للصحافة العربية وعدد من المنصات الإعلامية الأخرى. يمتلك الدكتور خاطر خبرة واسعة في مجال الصحافة والإعلام، ويُعرف بكونه صحفياً ومؤلفاً متخصصاً في تغطية قضايا الفساد وحقوق الإنسان والحريات العامة. يركز في أعماله على إبراز القضايا الجوهرية التي تمس العالم العربي، لا سيما تلك المتعلقة بالعدالة الاجتماعية والحقوق المدنية. طوال مسيرته المهنية، قام بنشر العديد من المقالات التي سلطت الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي تطال الحريات العامة في عدد من الدول العربية، فضلاً عن تناوله لقضايا الفساد المستشري. ويتميّز أسلوبه الصحفي بالجرأة والشفافية، ساعياً من خلاله إلى رفع الوعي المجتمعي والمساهمة في إحداث تغيير إيجابي. يؤمن الدكتور هاني خاطر بالدور المحوري للصحافة كأداة فعّالة للتغيير، ويرى فيها وسيلة لتعزيز التفكير النقدي ومواجهة الفساد والظلم والانتهاكات، بهدف بناء مجتمعات أكثر عدلاً وإنصافاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!

اكتشاف المزيد من الاتحاد الدولى للصحافة العربية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

دعنا نخبر بكل جديد نعــم لا شكراً